في رواية الكاتب العراقي سليم مطر المسماة (تاريخ روحي) محاولة لسرد تاريخ الإنسان من خلال قصص أرادها أن تكون مترابطة تروي تاريخ الإنسانية.
وصف الناشر عمل سليم مطر بالقول "هذا الكتاب يمكن مطالعته كرواية متتالية الأجزاء أو كقصص مستقل بعضها عن بعض. هذه الرواية القصصية هي خلاصة قصص المؤلف لمرحلة كاملة دامت أكثر من عشرين عاما (1990- 2010) مرحلة موسومة بانكسارات وانتصارات وخيبات وأحلام شاعرية استحالت إلى كوابيس. تحكي تاريخ كائن منذ وجود الكون ثم صيرورته كإنسان وتقمصه العديد من الحيوات والشخصيات خلال مختلف العصور حتى وقتنا الحاضر."
وفي كل أدوار هذا الإنسان عبر التاريخ وكل أشكال "تجلي" إنسانيته نلاحظ استمرارية لا في الأحلام والهواجس والشهوات والرغبات فحسب اذ كانت تتجسد باستمرار في صور وأشكال مختلفة بل في دوري "البطولة" في الرواية وهما للبطل آدم وللبطلة حواء اللذين احتفظا باسميهما كما هما منذ البداية.
حواء ومنذ قصة "جنة عدن" هي العامل المحرك والدافع الذي يجعل آدم يحلم ويطمح ويقوم بأفعال وتصرفات مختلفة. وكما يكون الدافع عادة "خفيا" مستترا بينما تظهر الافعال والتصرفات إلى العلن فهكذا كانت "حواء" في مختلف أدوار الحياة.
جاءت الرواية في 224 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
أما سليم مطر فهو أديب ورجل فكر عراقي مقيم في سويسرا. له إصدارات فكرية وتاريخية عن موضوع "الهوية" من بينها (الذات الجريحة) و(العراق .. سبعة الاف عام من الحياة) وله رواية شهيرة هي (امراة القارورة) وكتاب مذكرات بعنوان (اعترافات رجل لا يستحي).
يبدأ الكتاب بقصة خلق الإنسان كما وردت في بعض اداب وأساطير ما بين النهرين ومن ثم انعطافا على قصة الخلق كما وردت في الديانات التوحيدية مرورا بأكل التفاحة المحرمة. ومن بعد ذلك ينتقل إلى قصة قابيل وهابيل ولدي آدم وقتل قابيل لأخيه هابيل ثم البكاء عليه كما ينسحب ذلك على مآسي البشرية المستمرة حيث يقتل الأخ أخاه.
حمل هذا الفصل عنوانا هو (مناجاة قابيل: رحماك يا رب .. قتلت أخي) وبعد العنوان مقدمة وإهداء يشملان الماضي والحاضر في العراق الحديث والعالم كله وقد جاء فيهما "الارض فجر الإنسان. إلى ارواح جميع اخوتي في الوطن وفي الارض جمعاء. الذين قتلهم اخوتي في الوطن وفي الارض جمعاء."
وينتقل إلى عنوان اخر هو (عشق الابطال .. سواحل البحر المتوسط قبل الميلاد) ويخصص عنوانا فرعيا هو (المحارب القرطاجي) صدره بمقدمة موحية إذ تربط بين الماضي والحاضر. قال "القى هانيبعل آخر نظرات الوداع نحو مدينته المحترقة .. بينما سفينة الغزاة ترحل به الى منفاه المجهول. اشتدت حرائق روحه وهو يشاهد من بعد أميرته الحبيبة ونبلاء قرطاجة يستقبلون الغزاة بكل خنوع وذل."
وينتقل منها إلى قصة يوسف تحت عنوان (أنا يوسف يا زليختي .. ويحك اما تهب على قلبك أنسام حنين!) ومن تراث ما بين النهرين وتحت عنوان (مخاض بغداد) ينتقل إلى بغداد القرن الحادي عشر.
يحملنا من هناك إلى أيامنا الحاضرة فيكتب قصة ساخرة ومخيفة بعنوان (حبيبتي والكلب .. بغداد 1970) ثم ينتقل إلى دمشق عام 1979 ومنها إلى لبنان مع جماعة من الثوار العراقيين للتدرب مع الفدائيين الفلسطينيين من اجل الإطاحة بالحكم في بغداد.
وفي بيروت 1980 وتحت عنوان (صديقي الذي غدرت به) وصف مؤلم للبراءة المستغلة. ينتقل من هناك إلى روما في حياة تسكع وهرب من الظلم. اسم البطل آدم منذ البدء ودائما ترافقه قصه الحب الاول في أشكال مختلفة والحبيبة دائما اسمها حواء.
في قصة (السيدة الاوروبية وحراس المطار ..جنيف 1989) وصف مؤثر لحاجة هذا المشرد طالب اللجوء السياسي إلى عاطفة تتجاوب معه إنسانيا وتشعر بمأساته وقد حدث ذلك من خلال امرأة طيبة تمثل منظمة إنسانية لمساعدة طالبي اللجوء. في يوغوسلافيا سنة 1997 سعى هذا الإنسان المشرد الى لقاء "الاخر" الطيب الذي يكون أخا له بل صورته الاخرى وعثر عليه في صورة إنسان مجهول قدم له المساعدة.
قبل الختام يروي قصة شيقة عن "أشباه" الرئيس العراقي الذين يستخدمون لتضليل من يريد اغتياله ويوصلنا إلى حال لا يعود الإنسان فيها قادرا على التمييز بين الوهم والحقيقة في جو شبه كابوسي. في النهاية يكتب ومن جنيف سنة 2000 (الفصل الاخير من حياة إنسان اسمه صدام).
استطاع سليم مطر إلى حد بعيد أن يربط الماضي بالحاضر وأن يجعلنا نكتشف ان مشكلات الإنسان تتكرر متشابهة في الجوهر مختلفة في الشكل والمظهر.